مقدمة
بالرغم من أن رئيسة بعثة الدعم لليبيا، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، صرحت في إحاطتها الأخيرة أمام مجلس الأمن، بأنها تأمل أن تقدم للمجلس في إحاطتها القادمة بشهر أغسطس القادم خارطة طريق محدَّدة زمنياً، وعملية سياسية تعكس مطلب الشعب الليبي بإحداث تغيير ملموس؛ بهدف إنهاء العمليات الانتقالية، إلا أن البعثة لازالت في طور إجراء النقاشات حول خيارات اللجنة الاستشارية مع السلطات السياسية، وممثلين عن أغلب شرائح ومكونات الشعب الليبي؛ بغرض الوصول إلى أكبر توافق ممكن حول أحد خيارات اللجنة الاستشارية؛ ليعتمد كأساس لخارطة طريق مع سعيها للحصول على دعم دولي.
ملامح خارطة الطريق
إزالة العراقيل التي تحول دون إجراء الانتخابات، ووضع قوانين سليمة قابلة للتنفيذ؛ شكلت تحديا أمام أعضاء اللجنة الاستشارية؛ لأسباب تتصل بصعوبة الخروج بتصور يعالج قوانين “6+6” يرضي الأطراف السياسية المتصارعة، في موازنة بين ترجيحات أعضاء اللجنة سبب اتجاهاتهم، وبين عدم مخالفة أي مخرجاتها لقرارات مجلس الأمن، فكان بين المخرجات فك الارتباط بيت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، و إلغاء إلزامية جولة ثانية للانتخابات الرئاسية، وتصحيح الوضع القانوني لمجلس مفوضية الانتخابات، وما يخص الطعون الانتخابية، والأمن الانتخابي، ونسبة تمثيل المرأة، والمكونات الثقافية الليبية، إلا إنها حين تصدت لشروط الترشح للرئاسة، و تشكيل الحكومة قبل إجراء الانتخابات، فشلت في وضع حلٍّ جذري، فاضطرت إلى توسيع الخيارات بإضافة خيار اعتماد الدستور قبل إجراء الانتخابات، وخيار المجلس التأسيسي. هذا فتح بابا للنقاش مع البعثة الراغبة بالاكتفاء بخياري الانتخابات الرئاسية بالتزامن مع البرلمانية، وخيار الانتخابات البرلمانية، ثم اعتماد دستور، ثم انتخابات رئاسيةـ معللة عدم رضاها على إضافة المزيد من الخيارات، كخيار الاستفتاء على الدستور أولاً بالقول: أنه سيصطدم بتعدد المسودات المطروحة حالياً (مشروع الدستور المنجز ، مسودة صلالة عمان ، ما تم التوافق عليه بين المجلسين بالقاهرة لجنة(12+12)، وسيواجه اعتراض بعض مكونات الشعب الليبي، ومنهم المتمسكون بدستور المملكة الليبية، و بتعدد قوانين الاستفتاء ، و أن خيار المجلس التأسيسي لم يتم تناوله بشكل معمق، وأن المهمة الرئيسية للجنة هي تقويم قوانين لجنة “6+6 “، غير أنه وبحسب ما نقل عن بعض أعضاء اللجنة، فإن البعثة رضخت لإرادة أعضاء اللجنة، و قبلت بأن تكون مخرجات اللجنة أربع خيارات ، مع ملاحظة أن خيار المجلس التأسيسي تناولته اللجنة في أواخر أيامها؛ لذلك لم يتحصل على مدة كافية من النقاش لإنضاجه، ويبدو أن البعثة قررت القبول به ليكون خيار (العصا)، في مواجهة قيادات السلطات الحالية.
خيار المجلس التأسيسي – ومن خلال متابعة ردود الفعل على خيارات الاستشارية- هو الأقرب ليكون الوعاء الأساسي للتوافق على خارطة طريق وعملية سياسية. فبحسب ما أفاد به بعض من شاركوا البعثة النقاش حول الخيارات، أنها صرحت بتفاجئها بعد إطلاقها للنقاش المجتمعي حول خيارات اللجنة الاستشارية، و من خلال آراء من شاركوا باستطلاع الرأي الذي أطلقته على منصتها، فإن خيار ( المجلس التأسيسي) تفوق على باقي الخيارات، و بمتابعة النشطات المجتمعية بالمنطقة الغربية، فإن أغلب مخرجاتها تفضل خيار المجلس التأسيسي، فبعض الأحزاب، و من خلال مخرجات ندواتهم يحبذون خيار المجلس التأسيسي؛ لمنعه تفرد أطراف السلطة الحالية من احتكار العملية السياسية، كذلك ما أعلنته بعض منظمات المجتمع المدني، و الشخصيات المجتمعية السياسية و الإعلامية، من دعم لخيار المجلس التأسيسي، وهذا قد يرجح تقديم الخيار التأسيسي من قبل البعثة؛ لإطلاق خارطة طريق و عملية سياسية.
انعقد مؤخرا مؤتمر برلين الذي أسس للحوار السياسي الليبي، جنيف تونس ممثلا بلجنة المتابعة الدولية المعنية بليبيا، و المنبثقة عن مسار برلين برئاسة البعثة و الخارجية الألمانية، ممثلة بسفيرها، وهو اللقاء الوحيد منذ منذ أربع سنوات، ولهذا دلالته.
وقد خلصت رئيسة البعثة في أحاطتها السابقة إلى أنه وعبر حصاد نقاشها المستمر بتأكيدها على رسالة واضحة “يشعر كثير من الليبيين بخيبة أمل عميقة إزاء الفترات الانتقالية المطولة، وفقدوا الثقة في المؤسسات و القيادة الحالية، معربين عن شكوكهم إزاء استعداد هؤلاء لوضع المصالح الوطنية فوق مصالحهم الشخصية”.
مراقبون يرون أن أي من الخيارات الثلاثة الأولى لن تمكّن القيادة و السلطات الحالية من أن يكونوا فاعلين بأي عملية سياسية تتم على أساس أحد تلك الخيارات، بالتالي يتكرر الدوران في الدائرة المفرغة التي دامت لسنوات طويلة، ورجح عندهم أنه لن يتم الحد من استحواذ الساسة المتنفذين على العملية السياسية، ولن تتمكن البعثة من المضي قدماً إلا بتبنيها لخيار المجلس التأسي.
مزايا خيار المجلس التأسيسي وفرص نجاح خارطة طريق وعملية سياسية في ظله:
اللجنة الاستشارية لم تنه بخياراتها الثلاثة الأولى إشكالية شروط الترشح بشكل قطعي؛ مما يجعل مجلسي النواب والدولة أطرافاً أساسية حسب اتفاق الصخيرات عند صياغة قوانين الانتخابات، أو الاستفتاء على الدستور، وتشكيل الحكومة، وتصحيح وضع مفوضية الانتخابات، وبخيار المجلس التأسيسي سيمثلون لكنهم لن يملكوا أغلبية تركيبته، لذا فإن لهذا الخيار مزياه التي منها:
1- يحقق رغبة بعض الأحزاب، والنخب السياسية والمجتمعية، والمهتمين بالشأن العام الليبي، بعدم تفرد أجسام السلطة الحالية بالعملية السياسية، ويحقق مشاركتهم بالمرحلة السياسية القادمة.
2 -المجلس التأسيسي حسب اقتراح الاستشارية سيطلقه حوار سياسي تدعو له البعثة حسب المادة 64 من اتفاق الصخيرات أساس أي عملية سياسية تقام في ليبيا .
3) النقاشات المجتمعية التي تجريها البعثة الآن تشبه إلى حد كبير إجراءات البعثة التحضيرية لعقد مؤتمر غدامس الذي فشل بسبب العدوان على طرابلس إبريل 2019 .
4) من خلال المجلس التأسيسي يمكن للبعثة أن تقوم بإجراء الإصلاحات التشريعية و الإارية اللازمة لإجراء الانتخابات، بما في ذلك التوافق على تحديد نوعية الحكومة و تركيبتها و مهامها، و كل متطلبات خارطة الطريق بمدد زمنية محددة.
5 – الإعلان عن حوار سياسي؛ سيستغرق وقتا من الحوار لكي يطلق المجلس التأسيسي، الذي بدوره سيستغرق وقتاً ليس بالقصير لإنجاز مهمته. هذا الوقت تحتاجه البعثة لتهيئة البلاد لقبول نتائج مخرجاته .
عوائق متوقعة أمام خارطة طريق وعملية سياسية تنتج عن مجلس تأسيس
اللجنة الاستشارية لم تضع تصورا متكاملا لخيار المجلس التأسيسي، وتركت مسألة التوافق حوله للأجسام الحالية، إذ حددت تركيبته 60 عضوا ولم تحدد مدته الزمنية؛ مما يجعل الخيار مهدداً بالتالي:
1- مشاركة مجلسي النواب و الدولة و السلطة التنفيذية مطلوبة لتوافقهم حول إطلاق حوار سياسي حسب المادة 64 من اتفاق الصخيرات، يقوم بتأسيس مجلس تأسيسي، و رفض مجلس النواب المشاركة، و استمرار انقسام مجلس الدولة سيفقد أي حوار سياسي مشروعيته حسب اتفاق الصخيرات
2 -عدم تحديد الاستشارية معايير المشاركين بالمجلس التأسيسي؛ يطلق يد البعثة بتعيين المشاركين مما يفاقم المعارضة له.
3- مخاطر اندلاع حرب بالعاصمة، أو على أطرافها يحتم على البعثة المساهمة بوضع حل للأزمة الأمنية بالمنطقة الغربية قبل إطلاق أي عملية سياسية.
ختاما
تعلم البعثة يقيناً بأن مؤتمر غدامس أفشلته الحرب على طرابلس، و فشل مؤتمر باتيلي الجامع، واستقالته مردها إلى إجراء مجلسي النواب التعديل 13 بحجة الملكية الليبية للحل، وتطبيق نصوص اتفاق الصخيرات، وإصداره لقوانين لجنة “6+6” التي عمّقت الخلافات القانونية و السياسية؛ الأمر الذي دعى البعثة إلى تشكيل لجنة استشارية لتقويم قوانين “6+6” المعيبة و الغير توافقية ، غير أنه بعد إعلان البعثة عن خيارات الاستشارية أصبحت ملزمة بوضع خارطة لعملية سياسية؛ تفضي إلى انتخابات تتوحد، وتتجدد من خلالها الشرعية لتخرج البلاد من أزماتها الحالية، وفشل البعثة يعني استقالة رئيستها، وتفاقم الانقسام و ازدياد مخاطر التدهور الأمني الاقتصادي.



