Skip to main content

مقدمة

صرح المبعوث الأممي عبد الله باتيلي في إحاطته أمام مجلس الأمن، قبل أيام، أن المناخ بات مهيئا بشكل أفضل للتوصل إلى اتفاق سياسي جديد تجتمع فيه الأطراف الرئيسية في المشهد للمضي نحو الانتخابات خصوصا بعد اكتمال الإطار الدستوري والقانوني المؤدي إليها، حسب تقديره.

وأكد المبعوث الأممي في إحاطته أن الأطراف الخمسة لم ترفض الدعوة لطاولة الحوار، وأن خليفة حفتر يشترط مشاركة رئيس الحكومة الليبية برئاسة أسامة حماد أو استبعاد الحكومتين، بينما يرفض عبدالحميد الدبيبة أي مشاورات حول حكومة جديدة،  وقد أكد باتيلي أنه من الضروري أن يُبنى على هذا الإنجاز المهم الذي اعتبرته المفوضية الوطنية العليا للانتخابات قابلاً للتنفيذ من الناحية الفنية.

الظروف السياسية ما قبل طاولة الحوار

لا تبدو الظروف السياسية في البلاد مع نهاية العام 2023 هي الأفضل من حيث الاستجابة للإرادة الشعبية العامة للانتقال إلى مرحلة الاستقرار التي يتم العبور إليها عبر بالانتخابات لتنهي المراحل الانتقالية التي تخطت الإثنا عشر عاما.

الوقوع في مصيدة الجمود السياسي يعد السمة الأبرز للعام 2023 إذ لم يشهد العام أي تقدم في ملف التسوية بين الأطراف الرئيسية في المشهد بل على العكس تماما فقد ازداد التوتر وحالة التشضي والخلافات الداخلية بين مختلف الأطراف، كما أن الفرقاء لم يحسنوا استغلال فرصة التقارب وما أحدثه إعصار دانيال من كارثة في مدينة درنة وما تبعه من حالة تلاحم اجتماعي، إذ أخفقت الاطراف السياسية في توظيف الحدث لتجاوز الانقسام وجسر الهوة بينهم، ولو بشكل مؤقت، بغرض التعاون وإغاثة المتضررين. وما وقع هو العكس تماما، فقد أصبح المتضررون من الطوفان في مدن الشرق على حد سواء ضحايا الانقسام السياسي والذي تسبب بشكل مباشر في استمرار معانة المتضررين.

أيضا تعكس الظروف الاقتصادية الحالة السياسية المأزومة، ومؤشر ذلك تراجع قيمة الدينار في السوق الموازية وارتفاع معدلات التضخم المؤثر سلبا على مستوى عيش المواطنين، فقد بلغ التضخم مستوى مرتفع مقارنة بالعامين المنصرمين، ويبدو أن الوضع مرشح إلى مزيد من التأزيم بحسب توقعات مختصين من احتمال مزيد من التراجع في قيمة الدينار أمام الدولار في السوق الموازية، وذلك كأثر مباشر للخلاف المستجد بين محافظ مصرف ليبيا المركزي وحكومة الوحدة الوطنية.

تباين الآراء والموقف من الملفات الرئيسية

أحال مجلس النواب قرارا إلى المبعوث الأممي لليبيا عبدالله باتيلي يرفض فيه حضور أي حوار سياسي تشارك فيه حكومة الوحدة الوطنية التي وصفها بمنتهية الولاية. بالمقابل رحب رئيس البرلمان عقيلة صالح بالمبادرة الأممية في بيان ثلاثي مع المنفي وحفتر صدر بالقاهرة، واشترط المجتمعون في بيانهم مراعاة تحفظات ومطالب المجتمعين والأخذ بها، دون أن يذكر البيان التحفظات المقصودة، وفي ذلك دلالة على تغير في الموقف الذي أعلن عنه مجلس النواب ولو بشكل جزئي.

وقد أثار اللقاء الثلاثي في القاهرة حفيظة فواعل في الغرب الليبي حيث اجتمع كل من رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة ونائبا رئيس المجلس الرئاسي عبدالله اللافي وموسى الكوني، رأى فيه مراقبون صورة من صور الانقسام ما قبل الحوار.

اصطفاف جهوي أم توازن سياسي؟

جاء اجتماع الدبيبة وتكالة والكوني واللافي ردا على اجتماع القاهرة الذي جمع بين المنفي وحفتر وعقيلة، وطالب البيان الصادر عن اجتماع طرابلس  جميع الأطراف الترفع عن أي حساسيات ذات بعد جهوي أو فئوي، وعدم الرضوخ لسطوة السلاح والاستبداد، أو التورط في صفقات مشبوهة لغرض تشتيت الجهود المحلية المدعومة بتوافق دولي.

مراقبون رأوا أن البعد الجهوي قد يكون حاضرا في سياق الحشد والتوجيه الإعلامي، باعتبار أن رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، ينتمي إلى قبيلة من الشرق الليبي، غير أن الحراك قد يكون ضمن جولة من الجولات التي تحكمها المكاسب، دون أن يكون ذلك على حساب الاصطفافات السياسية البعيدة عن الجهوية.

هناك تسريبات عديدة تحدثت عن تقارب جاء نتيجة عدة لقاءات بين ممثلين عن الطرفين خلصت في نهايتها إلى ضرورة التهدئة ووقف التصعيد على وسائل الإعلام والمنصات الرقمية، وفتح آفاق وفرص أكبر للتقارب عبر تعديل وزاري لحكومة الوحدة لتضم ممثلين عن حفتر مع خلاف حول حجم التمثيل، وهو ما ذكره المبعوث الأمريكي الخاص والسفير ريتشارد نورلاند بالفعل حين تحدث عن فرص تشكيل حكومة جديدة.

من الممكن جدا استقراء فرص التقارب بين حفتر والدبيبة حال الاستجابة لمطالب حفتر بالتمثيل الأوسع في الحكومة مع حقائب حساسة، كما أن التفاهم والاتفاق بين الطرفين ممكن إذا تم القياس على تجربة المؤسسة الوطنية للنفط وتعيين رئيسها فرحات بن قدارة الذي صرح قبل عدة أسابيع من أن تعيينه جاء بناء على ترشيح من حفتر شخصيا، ويمثل بن قدارة نموذجا يمكن البناء عليه باعتباره حلقة وصل بين الدبيبة وحفتر.

اتجاهات الحوار عند الأطراف الرئيسية على الطاولة

لا تبدو المواقف المختلفة على الطاولة متناقضة في حال وضع ملف الانتخابات الرئاسية والنيابية على الطاولة، بل لا مبالغة في القول إن الموقف من الانتخابات لا يوجد عليه خلاف معلن من قبل كل الأطراف المشاركة، وتبقى الخلافات متمحورة حول مسألة التغيير الحكومي من قبل الأطراف المعارضة لحكومة الوحدة، وهذا لسان حال ومقال رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، الذي طالب باتيلي بتوجيه دعوة لرئيس الحكومة الليبية، أسامة حماد، في حال أصر على حضور رئيس حكومة الوحدة، عبدالحميد الدبيبة، وقد علق عقيلة صالح مشاركته في الحوار بناء على هذا الاشتراط.

من جانب آخر زار عقيلة صالح تركيا في محاولة لاقناع رئيسها أردوغان لرفع يده عن دعم حكومة الدبيبة حسب ما صرح عقيلة نفسه في مقابلة صحفية عقب الزيارة، كما أعطى عقيلة خلال زيارته الضمانات اللازمة للطرف التركي لثنيه عن الاستمرار في دعم حكومة الوحدة، ومن ذلك فتح الباب أمام إمكان قبول الاتفاقيات التي وقعتها أنقرة مع طرابلس العام 2019م، والتي كانت محل خلاف شديد ورفضها مجلس النواب بشدة بل كان موقف عقيلة صالح منها حادا.

تبدو الخلافات في المجلس الرئاسي أقل حدة في حال قياسها بالخلافات داخل المجلس الأعلى للدولة الذي رفض عدد من اعضائه ما قالوا أنه تدخل من الدبيبة في خيارات المجلس. ووقع جدل كبير حول قرار رئيس المجلس الأعلى للدولة، محمد تكالة، اختيار ثلاث ممثلين عن المجلس في الاجتماعات التحضرية للطاولة الخماسية، وذلك دون الرجوع للاعضاء لاختيار من يمثلهم، وفي هذا دلالة على الوضع الحرج الذي يواجهه المجلس الأعلى للدولة.

بناء على ما سبق عرضه، فإن إعلان الأطراف المختلفة قبولها المشاركة في الاجتماعات الخماسية قد لا يكون جدي بالنظر إلى الشروط التي وضعها كل طرف والتي تخالف جوهر خطة باتيلي، فيما يذهب بعض المحللين إلى أن شروط أطراف النزاع هي من قبيل رفع سقف التفاوض، وأن حضورهم للاجتماع محتمل.

من جهة ثانية، لا يمكن التعويل كثيرا على قرار مجلس النواب رفض المشاركة في الحوار وابلاغ باتيلي بشكل رسمي بذلك، وإعلان عقيلة صالح الاستعداد للمشاركة إذا تم دعوة أسامة حماد هو خلاف موقف المجلس، وهو شرط لم تعترض عليه جبهة الغرب، ويبدو أن الاشتراطات تأتي في سياق قراءة  لما ستكون عليه الطاولة من حيث الأعضاء ومواقفهم، خاصة مسألة التغيير الحكومي، الذي هو جوهر أجندة طبرق والرجمة التفاوضية، وحسب عديد المراقبين، فإن إصرار عقيلة صالح على حضور أسامة حماد ليس فقط من باب التمسك بشرعية حكومته، بل إيضا لضمان إحداث نوع من التوازن على طاولة التفاوض.

ومن رأى أن الاجتماع لن ينعقد فهو يستصحب هدف كتلة طبرق الرجمة وموقف كتلة الغرب بقيادة عبدالحميد الدبيبة الذي ذكر مرارا وتكرارا أنه لن يسلم سلطاته إلا إلى حكومة منتخبة. غير أن موقف الدبيبة لن يكون نهائيا إذا وقع تغيير في مواقف داعميه ومؤيديه من السياسيين والعسكريين، خاصة في مدينتي مصراتة وطرابلس.

النتائج المتوقعة

النظرة الأولية لمواقف الأطراف تقود إلى ترجيح عدم وقوع الاجتماع وعدم التئام الطاولة الخماسية، وهذا ما يفهم من كلام الاطراف الثلاثة الرئيسيين، عقيلة وحفتر والدبيبة، غير أن تسارع وتيرة الحراك وتزايد الضغوط التي تمارسها الإدارة الأمريكية بدعم بريطاني عبر سفرائهما قد يسفر عن نتائج مختلفة.

ولقد شهد الأسبوع الماضي تحركا نشطا للمسؤولين الدبلوماسيين، الأمريكي والبريطاني، وكان محور حديثهما مع الفرقاء الليبيين هو تقريب وجهات النظر وإذابة الجليد في العلاقة بينهم وتغيير مواقفهم من مبادرة باتيلي والتي يعتقد البعض أنها خطة أمريكية، وأن النشاط الذي تقوم على أساسه البعثة في عملها هو الزخم السياسي الأمريكي المتمثل في حراك السفير وتصريحاته التي ترسم مسار البعثة.

بالمقابل فإن كثيرين يرون أن التناقض بين الطرفين يعرقل مساعي التقريب بينهما، وذلك بسبب إصرار كتلة الشرق على تجاوز القوانين الانتخابية والتركيز على تشكيل حكومة جديدة، فيما ترى كتلة الغرب أن فتح الحوار حول الحكومة التي تشرف على الانتخابات دون نقاش القوانين الانتخابية يبدو صعبا وبل مرفوضا، إذ يتشبث الدبيبة بموقفه المتحفظ على القوانين كما أن موقف المجلس الأعلى للدولة ، حتى اللحطة، رافض لها، وسيترتب على هذه المواقف عرقلة مبادرة المبعوث الأممي الذي يسعى للوصول إلى توافق يقود إلى إجراءالانتخابات، ما يعني أن جلوس أطراف النزاع الخمسة على طاولة الحوار قد يتعثر، وفي حال وقع فلا يعني بالضرورة أن ينتهي إلى نتائج إيجابية وتوافقات قابلة للتنفيذ.