Skip to main content

تقديرات كلفة إعمار ليبيا متفاوتة، فقد قدرها رئيس المكتب التنفيذي، محمود جبريل، في العام 2012م بما يزيد عن 400 مليار دينار (نحو 300 مليار دولار بسعر الصرف السائد آنذاك)، فيما يرى وزير الدولة للشؤون الاقتصادية بحكومة الوحدة الوطنية، سلامة الغويل، أن فاتورة إعادة إعمار ليبيا تحتاج إلى نحو 500 مليار (ما يعادل 110 مليار دولار بسعر الصرف الجديد)، وخالفه وزير الاقتصاد، محمد الحويج، الذي أكد أن التكلفة قد تصل إلى تريليون دينار ليبي (200 مليار دولار).

وينبغي التنبيه إلى أن مقاربات الإعمار التي عكست نفسها عبر تفاوت قيمها تتعدد في جوهرها، فالتقديرات بعد العام 2011م مباشرة اقترنت بمشروع نهضوي اقتصادي اجتماعي يحتاج إلى تحول كبير وحديث في البنية التحتية، أمام التقديرات المتأخرة فجلها ينصب على إعمار ما دمرته الحروب، حيث تعطي هذه التقديرات أولوية للمدن المتضررة من الصراعات المسلحة وهي: بنغازي، سرت، جنوب طرابلس، مرزق، سبها، أوباري، تاورغاء. 

من جهة ثانية، فإن ملف الإعمار يقترن بالتدافع الإقليمي والدولي، كما أنه لا يخضع لاعتبارات فنية بحتة بالنسبة للحكومات المتعاقبة، حيث يختلط الاقتصادي والفني مع السياسي، فمصر كانت في مقدمة الدول التي تعهدت لها حكومة الوحدة الوطنية بنصيب وافر من مشاريع الإعمار، وبنسبة تصل إلى 70%، لكنها اليوم ليست كذلك، ومن مظاهر التحول توقف العمل بالعقد الذي وُقّع لاستكمال الطريق الدائري الثالث بالعاصمة طرابلس. بالمقابل، فإن دولا تربطها علاقات شراكة مهمة مع ليبيا كإيطاليا وتركيا، ولها قدرات تنافسية في مجال البناء والتشييد تفوق القدرات المصرية، تجعل ملف الإعمار في مقدمة غاياتها ضمن تحركاتها في الأزمة الليبية.

الشركات التركية شرعت مؤخرا في دخول السوق الليبي في مجال البنية التحتية، وتمنح العلاقة المميزة لتركيا مع الحكومة في العاصمة طرابلس فرصة كبيرة في مشاريع التعمير، وهي حاضرة عبر عقود وُقّعت قبل العام 2011م بقيمة تبلغ نحو 36 مليار دولار أمريكي.

كلفة الإعمار المرتفعة تشكل تحديا يتعلق بقدرة الدولة الليبية على توفير مخصصات ضمن الميزانيات العامة للسنوات القادمة لصالح مشروعات التنمية، ذلك أن ما يقرب من 90% من الإيرادات العامة التي تقدر بـ22 مليار دولار تذهب لصالح المرتبات والنفقات التسييرية للجهاز الحكومي والدعم، وتتجه هذه البنود إلى الارتفاع عاما بعد عام، كما أن خطط زيادة الإيرادات النفطية تواجهها تحديات عديدة منها تحقيق درجة عالية من الاستقرار، وهو أمر غير مقطوع به.