مذ زيارة رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكي وليام بيرنز تسارعت ردود فعل الأطراف السياسية استجابة للزيارة وأجندتها. الطبقة السياسية المهيمنة على الأجسام التشريعية والتنفيذية التقطت إشارة الزيارة سريعا والتي حملت في طياتها توجها أمريكيا واضحا نحو سرعة إجراء الانتخابات.
استجابة مجلس النواب استمرار لمسار التعطيل
استجابة مجلس النواب تجاه زيارة بيرنز لم تتأخر كثيرا، بل إن الاستجابة للأجندة الأمريكية من قبل عقيلة صالح كانت هي الأوضح على الساحة السياسية إذا أخذنا في الاعتبار تصريحاته في مجلس النواب التي عقبت الزيارة قائـلا إن الوقت لم يعد يسعف المجلس وأن القاعدة الدستورية لابد أن يتم إقرارها ولو بشكل فردي من قبل المجلس قبل نهاية مارس المقبل.
أقر مجلس النواب بحسب الناطق الرسمي باسمه عبدالله بليحق التعديل الدستوري الثالث عشر دون ذكر تفاصيل الجلسة والنصاب القانوني، كما أن التعديل الدستوري لم يتح بعد للعلن وهو ما يطرح أسئلة عن فحوى التعديل وأهم تفصيلاته التي يفرتض أنها ضمنت القاعدة الدستورية التي ستجري على أساسها الانتخابات.
مجلس النواب يمضي في طريقه التي اعتادها باتخاذ قرارات أحادية وتوجهات فردية تمثل المسار المفضل لرئيسه عقيلة صالح، فبعد خروجه في مؤتمر صحفي في القاهرة مع رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري حول قرب التوافق على إنجاز متطلبات الاستحقاق الانتخابي من الناحية القانونية، تنصل عقيلة صالح من كل ما قاله في القاهرة في أول جلسة له مع النواب عقب استفسار النائب بدر النحيب عن ما جرى في القاهرة مضيفا أن لقاء القاهرة لم ينتج عنه شي يذكر مؤكدا أن مجلس النواب هو صاحب السلطة والمخول بإقرار القوانين معللا ذلك بصعوبة التوافق مع مجلس الدولة.
خطوة مجلس النواب باستحداث التعديل الثالث عشر بشكل منفرد تؤكد عدم جدية المجلس في خوض أي مسار توافقي بين المجلسين وهو نفس السلوك الذي انتهجه مجلس النواب قبيل انتخابات الرابع والعشرين من ديسمبر عام 2021 حين أقر المجلس قانونا انتخابيا بشكل فردي ليصبح في حكم الأمر الواقع بعد أن تفاعلت معه المفوضية الوطنية العليا للانتخابات.
أعلنت ليبيا الأحرار تحصلها على نسخة التعديل الدستوري الثالث عشر وذكرت القناة أن الوثيقة ترحل مواد ترشح مزدوجي الجنسية والعسكريين للرئاسة إلى القوانين الانتخابية، التي أحالت إعدادها إلى لجنة مشتركة ونصت على توافق غالبية المجلسين حيالها.
وهو ما يعني بشكل واضح أن مسار إعداد القاعدة الدستورية بين المجلسين هو مسار لا يزال طويلا، وأن التعويل على نتائج مباشرة بناء على اللجان وأعمالها وتوافق المجلسين أمر متعذر لأسباب بنوية تتعلق بتركيبة وطريقة عمل المجلسين بالإضافة إلى المعطيات والمؤثرات الموضوعية والتي تحدد للمجلسين مسارهما.
مجلس الدولة ردود فعل متضاربة
عبر نائب رئيس المجلس الأعلى للدولة ناجي مختار عن الموقف الرسمي للمجلس وهو انتظار النسخة النهائية من التعديل الدستوري الـ13، وعدم امكانيتهم التعليق على النسخة الواردة إليهم من مجلس النواب لأنها غير نهائية، كما أضاف مختار أن غالب أعضاء المجلس الأعلى لم يكونوا على علم بالتعديل الدستوري، مؤكدا أنه لا يمكن التدخل في عمل مجلس النواب وأن مجلس الدولة لا يملك سوى التفاعل مع مخرجات مجلس النواب بشكل الذي يحدده الاتفاق السياسي كون المجلسين هما المخولان بإقرار القاعدة الدستورية.
موقف ناجي مختار الذي يبدو إيجابيا تجاه ما قام به مجلس النواب جاء على عكس موقف أعضاء آخرين كنعيمة الحامي التي قالت أن التعديل الدستوري الصادر عن مجلس النواب يخالف ما تم الاتفاق عليه في القاهرة من مشاورات لجنتي المجلسين قبل عام. أعضاء آخرون كعادل كرموس وبالقاسم قزيط رجحوا أن التعديل الدستوري يتم بالتنسيق بين رئيسي المجلسين معتبرينها خطوة إيجابية ينبغي التفاعل معها.
كل هذا يأتي بعد مضي مجلس الدولة في مسار اختيار مرشحي المناصب السيادية (مصرف ليبيا المركزي، ديوان المحاسبة ، هيئة مكافحة الفساد، وهيئة الرقابة الإدارية) دون تعليق أو تعامل جاد من قبل مجلس النواب ورئاسته برغم أن هذا المسار تم المضي فيه بعد التوافق بين عقيلة والمشري.
لا يملك المجلس الأعلى للدولة حتى اللحظة الأوراق التي تمكنه من المناورة خصوصا، والهامش المتاح بدا محدودا بسبب ارتباط رئيسه برئيس مجلس النواب، مع الأخذ في الاعتبار منطلقات ورؤية كتلة فاعلة في المجلس الأعلى للدولة، حتى مع نكوص مجلس النواب عن تفاهمات واتفاقات عديدة ليستمر مجلس الدولة في الالتحاق بطاولة التفاوض مع النواب والتماهي مع اشتراطاته في أحايين كثيرة والعمل وفق مطالب عقيلة صالح الذي يناور بدعم حلفاء الداخل والخارج.
رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي أكد إن القوانين الانتخابية لابد أن تكون توافقية مشيرا إلى أهمية صدورها قبل شهر أبريل القادم، وأعلن عن التزام المجلس الرئاسي بخارطة الطريق الحاكمة للمرحلة والمنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي الليبي ومخرجات برلين وقرارات مجلس الأمن، وذلك لاستكمال استحقاقات المرحلة التمهيدية وتحقيق الهدف الأسمى منها، وفق تعبيره.
رئيس المجلس الرئاسي حراك جاد ؟!
المنفي تحدث عن الانتخابات وزار بنغازي للقاء حفتر ربما تماهيا مع الإطار الذي تحرك فيه رئيس الاستخبارات المركزية الأمريكية قناعة منه بأن من يملك تعطيل الانتخابات هو من يملك القوة على الأرض، وهم ادبيبة في الغرب وحفتر في المنطقة الشرقية، والأخير يتمتع بالنفوذ الأوفر حتى في أروقة مجلس النواب وينبغي أن لا ننسى أن ممثلي مجلس النواب في ملتقى الحوار السياسي هم من التزم بتمثيل حفتر عوضا عن مجلس النواب ورئيسه المرشح حينها، وذلك لسطوة حفتر العسكرية والأمنية التي لا يستهان بها.
يأتي حديث المنفي عن الانتخابات مجددا رغم فشل دعوته للمجلسين في يناير الماضي من منطلق مختلف بعد زيارة بيرنز التي أضافت قوة لموقف المنفي كونه الجسم السياسي الأقرب الذي يمكن من خلاله تجاوز مجلسي النواب والدولة في حال تعثر التوافق على إنتاج قاعدة دستورية قريبة، حديث المنفي عن تواريخ معينة كنهاية أبريل يمكن أن يفهم على أنه مدى زمني ضربته أطراف خارجية، وقد ورد في تغريدته إيحاء قريبا عبر لفظة ” الاجماع الدولي”، وتؤكد مصادر عديدة أن المجلس قد أعد بالفعل مراسيم رئاسية بديلا عن القاعدة الدستورية تتضمن رؤية ومواقف جموع في الداخل وكذلك الدول الكبرى، ما يؤكد عمق ارتباط موقف المنفي السياسي بالموقف الدولي العام تجاه الأزمة وحلها في ليبيا بالمضي إلى الانتخابات في أقرب فرصة.
لا شك أن نشاط رئيس المجلس الرئاسي في ملف الانتخابات سيكون مثيرا لحفيظة رئيسي المجلسين اللذان رفضا التفاعل مع دعوته للقاء مشترك تقر من خلاله القاعدة الدستورية وتتجاوز فيه الخلافات والعقبات الرئيسية وهو ما تلقاه رئيسا المجلسان بحذر كون المساحة التي دخل فيها المنفي اليوم تعتبر المساحة الأبرز للحركة والمناورة عند عقيلة والمشري وهما اللذان يتعاملان بحذر مع المنفي لارتباطاته بحكومة الوحدة الوطنية التي تعد عندهما في خانة الخصوم.
الخلاصة
لا يمثل التعديل ال13 لمجلس النواب اختراقا حقيقيا للأزمة المتعلقة بإقرار القوانين الانتخابية والقاعدة الدستورية بل تمثل مسارا مكررا قد يواجه فشلا بسبب الخلافات، غير أنه يمكن أن يمرر بسبب الضغوط، ولأن آليات العمل والتواصل بين المجلسين محتكرة من قبل رئاستيهما، فمن المرجح استمرار مقاربة الصفقات السياسية التي بات عنوان رئيسي للعلاقة بين الرجلين.
دخول المجلس الرئاسي على الخط يمكن اعتباره ضاغطا رئيسيا على المجلسين لاتمام القاعدة الدستورية في الموعد الذي تحدث عنه المنفي وهو نهاية شهر أبريل المقبل، كما أنه يضع المجلسين في إطار زمني بعيدا عن المدد المفتوحة التي دخلت عامها الثالث اليوم.
يمكن اعتبار ملف الانتخابات وانجازها ملفا يحظى باهتمام امريكي مباشر، يدخل في صلب الاستراتيجية الامركية في المنطقة بعد أن عبرت عنه أعلى مستوياتها متمثلة في رئيس السي أي إي وليام بيرنز الذي زار ليبيا مطلع العام الحالي معبرا عن الاهتمام الأمريكي بالاستقرار في البلاد والذي ستكون الانتخابات إحدى أهم ركائزه، وهذا محدد رئيسي وقيد وموجه لسلوك وخيارات طرفي النزاع وممثلهما، عقيلة صالح وخالد المشري.



