المقدمة:
واجهت المؤسسة الوطنية للنفط موجةً واسعة من المعارضة والانتقاد ،خلال سعيها للاستثمار وتطوير حقل الحمادة NC7 ،بشراكة مع ائتلاف من الشركات الأجنبية، متكون من “إيني” الإيطالية، “توتال” الفرنسية، “أدنوك” الإماراتية، وشركة الطاقة التركية، شارك في هذه الموجة عدد من الجهات الرسمية، بما فيها مكتب النائب العام، وديوان المحاسبة، بالإضافة إلى وزير النفط والغاز بحد ذاته، ولم تقتصر ردود الأفعال على المؤسسات الحكومية فقط، فقد عبّر العديد من الخبراء والعاملين في المجال النفطي في ليبيا عن آراء متباينة بخصوص القضية. نحاول في هذا التقرير فهم مواقف الأطراف المختلفة، وتحديد أوجه الاختلاف بينها، بالإضافة إلى التطرق إلى بعض التفاصيل المهمة، التي من شأنها إماطة اللبس الناتج عن تسييس قطاع النفط في ليبيا؛ من أجل الوصول إلى ما تقتضيه المصلحة الوطنية.
حقل الحمادة NC7
وفقاً لشركة Wood Mackenzie ،وهي أحد أكبر الشركات المتخصصة في بيانات الطاقة في العالم، فإن “حقول NC7 التابعة لشركة الخليج العربي المملوكة من قبل المؤسسة الوطنية للنفط، تقع ضمن نطاق حوض “غدامس” وبالتحديد على بعد حوالي 135 كيلومترا شمال غرب حقول الحمراء، التي تديرها أيضا شركة الخليج، وذكر موقع الشركة المذكورة أعلاه بأن أول اكتشاف في الكتلة كان في عام 1960.، ومنذ ذلك الحين تم اكتشاف 12 حقلا آخر ،أكبرها اكتشافات النفط والغاز NC7-D و NC7-V، وتتميز هذه الحقول بالخام الخفيف الذي يحتوي على نسبة منخفضة من الكبريت. ولم تحصل شركة الخليج بعد على ترخيص لتطوير الكتلة، على الرغم من الاحتياطيات الكبيرة في منطقة الترخيص”، وبالتالي فإن الحقل مكتشف بالفعل منذ أكثر من نصف قرن، ولكن عوامل عديدة من بينها الإهمال والفوضى السياسية؛ أدت إلى عدم الاستثمار فيه وتشغيله، وتعتبر حقيقة كونه مكتشفاً بالفعل منذ زمنٍ طويل أحد الحجج التي يستند عليها المعارضون للصفقة ،التي اتجهت لإبرامها المؤسسة الوطنية للنفط مع ائتلاف الشركات، فالمتعارف عليه أن هذا النوع من الصفقات التي يتم فيها منح امتيازاتٍ كبيرة للشركاء الأجانب، يكون فيها تقاسمٌ للخطر، أي أنها تشمل عمليات الاكتشاف من الأساس.
قمة ليبيا للاقتصاد والطاقة:
برزت قضية الحقل للرأي العام الليبي، عندما أعلن رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط السيد” فرحات بن قدارة” عزم المؤسسة على توقيع اتفاقية، خلال القمة التي شهدتها العاصمة طرابلس، خلال يومي 8 و9 من نوفمبر الماضي، وفقاً لمنصة “حكومتنا”، فقد تحدث “بن قدارة “مرةً أخرى عن الموضوع في لقاءٍ أجرته معه قناة الوسط بعد عقد المؤتمر، وتحدث عن الفوائد المرجوة من الاتفاقية، واستغلّ الفرصة أيضاً للرد على المنتقدين؛ ما تسبب في إنطلاق موجاتٍ متعددة من الأخذ والرد بين الأطراف المختلفة للقضية.
موقف المؤسسة الوطنية للنفط:
برر رئيس مجلس إدارة الوطنية للنفط” فرحات بن قدارة” توجه المؤسسة نحو الاستثمار في حقل NC7 بالقول : أن الحقول التي تعتمد عليها ليبيا في انتاج الغاز الطبيعي- وذكر بالتحديد حقلي الوفاء والبوري – ستبدأ في مرحلة انخفاض الانتاج بحلول عام 2025؛ ما سيؤدي إلى انخفاض تصدير ليبيا للنفط، بل وحتى عدم قدرتها على تغطية احتياجاتها من الغاز الطبيعي، وبالتالي أكد على ضرورة الاستثمار في قطاع الغاز، كما أشار إلى أن المؤسسة لديها بالفعل مذكرة تفاهم مع شركة “إيني ” لدراسة واستكشاف الحقل، وأن “إيني” هي من قامت بإشراك بقية الشركات سابقة الذكر، عندما باشرت المؤسسة في التفاوض مع الشركة الإيطالية مجدداً بشأن الحقل، وتجدر الإشارة إلى أن” بن قدارة ” قد عزا عدم فتح عطاءٍ عام بخصوص الحقل، إلى وجود مذكرة تفاهم بالفعل مع “إيني” ؛ ما يسمح بالتفاوض معها بشكلٍ مباشر.
الموقف المعارض للاتفاقية:
وفقاً لمذكرة رفعها مجموعة من الخبراء الليبيين، في المجال النفطي لمجالس النواب والدولة والرئاسي، بالإضافة إلى حكومة الوحدة الوطنية، ذكروا فيها أن شركة الخليج باعتبارها مكتشف الحقل، فإن لديها القدرة الفنية القادرة على تطوير الحقل، وأن لديها بالفعل مخططا جاهزا للعمل عليه في انتظار الميزانية اللازمة، كما أوضحت المذكرة أنّ بعض الشركات الموجودة في الائتلاف تفتقر للخبرة الكافية لاستلام هكذا مشروع، بالإضافة إلى عدة انتقادات أخرى، أبرزها انعدام الشفافية، وعدم فتح عطاء عام للمشروع، وقد وصل البعض إلى حد وصف الاتفاقية، بأنها تحمل في طياتها خيانةً للوطن ،وتفريطا في مقدراته.
ردود الفعل الرسمية:
لعل أبرز ردود الفعل تجاه الاتفاقية وأشدها حدة، هو موقف وزير النفط والغاز بحكومة الوحدة الوطنية السيد “محمد عون” وهو على خلاف مع رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، حتى قبل قضية الحقل، فقد اعتبر “عون” أن التنازل عن 40% من الانتاج في الحقل لصالح ائتلاف الشركات مخالفاً للتشريعات الليبية، وقد توجه نحو المجلس الأعلى للدولة بحثاً عن الدعم. ولكن أبرز ردود الفعل جاءت على لسان النائب العام في مؤتمر صحفي، ذكر فيه أن مكتبه أوقف التعاقد في حقل NC7، وباشر التحقيق في الاتفاقية ، وكان لديوان المحاسبة أيضاً دورٌ في إيقاف التعاقد، فقد راسل المؤسسة الوطنية للنفط بالخصوص إلى حين استكمال النظر في الموضوع، وقد شكل رئيس حكومة الوحدة الوطنية بدوره لجنةً فنية؛ للعمل على مراجعة بنود اتفاقية تطوير الحقل، بالإضافة إلى دراسة إمكانية تنفيذ المشروع من خلال شركة الخليج العربي، وقد نتج عن أعمال اللجنة إنهاء المسار الذي يستلم على أساسه ائتلاف الشركات، بقيادة “إيني حقل الحمادة، وتغليب مسار تسليمه لشركة الخليج العربي، والسؤال الذي يطرح نفسه، والذي قد يكون الأكثر أهميةً في هذه القضية هو، هل الدولة الليبية فعلاً قادرة على توفير الميزانية الكافية لتطوير وتشغيل الحقل؟ والتي قد تتجاوز بحسب،” بن قدارة ” الـ 4 مليار دولار، أم أن المشروع لن يرى النور في ظل التجاذبات القائمة؟
إيقاف وزير النفط والغاز:
عادت قضية الحقل NC7 إلى السطح مجدداً، بعد قرار إيقاف وزير النفط والغاز السيد “محمد عون” من قبل هيئة الرقابة الإدارية، على خلفية مخالفات قانونية، غير أن النقابة العامة للنفط أصدرت بياناً دافعت فيه عن الوزير الموقوف عن العمل، أوضحت فيه أنّ السبب الحقيقي للإيقاف هو معارضته للاتفاقية الخاصة بالحقل، وشددوا على ضرورة عودته إلى عمله، ما تسبب في عودة الجدل حول الحقل، وعما إذا كانت الاتفاقية لازالت قائمة وممكنة أم لا.
تسييس قطاع النفط في ليبيا:
لا يمكن بأي حال من الأحوال فصل قطاع النفط عن التجاذبات السياسية في ليبيا، فهو جزءٌ لا يتجزأ من الصراع القائم ؛لكونه المصدر شبه الوحيد للدخل في هذه الدولة الغنية به، ولكن ما يعتبره البعض مصدراً جديداً للقلق، هو تسييس القطاع في إطار الأطراف الدولية الفاعلة في الملف الليبي من الناحية السياسية، فإن كانت شركتي “إيني” الإيطالية، و”توتال ” الفرنسية، تمثل – بشكلٍ أو بآخر- مصالح دولها، فإن القضية قابلة للتطور باتجاه قد لا يكون لصالح البلاد، بالمقابل، فإنه من غير المعقول الاستغناء عن الشركات الرائدة في العالم، والتي لها تاريخ وتعاون في تطوير قطاع النفط والغاز الليبي، ويبدو أن الجدل دار حول نقطتين : الأولى هي النسبة الكبيرة الممنوحة لائتلاف الشركات، والثانية دخول كل من شركة “أدنوك” الإماراتية، وشركة الطاقة التركية على خط المشروع، والذي أُعتبر من قبل الكثيرين إقحاماً للدول التي أصبح لها ثقلٌ سياسي في المشهد الليبي مؤخراً في قطاع النفط؛ لتحقيق مآرب ومنافع سياسية للأطراف المحلية الليبية، خاصةً عند الأخذ بعين الاعتبار أن رئيس مجلس إدارة الشركة الإماراتية “أدنوك” هو ذاته وزير الصناعة والتكنولوجيا الإماراتي؛ ما يعكس العلاقة الوثيقة بين الشركة وحكومة الإمارات العربية المتحدة، والأمر ذاته بالنسبة للشركة التركية التي هي أيضاً مملوكة من قبل الدولة التركية، وبالتالي فإن كل ما سبق يدعو بشكلٍ أو بآخر إلى إعادة النظر في هيكلية القطاع، وضرورة النأي به عن هذا النوع من التجاذبات، التي سيتحمل أعباءها الليبيون جميعا.



