بعد أقل من أسبوعين من الذكرى الـ12 لثورة 17 فبراير قدم عبد الله باتيلي إحاطته في مجلس الأمن مؤكدا أن العملية السياسية الموعودة لم تعد قادرة على تلبية تطلعات الليبيين ساعين إلى “انتخاب من يقودهم، وإلى بث الروح في مؤسساتهم السياسية.”، وتشديده وجل الدول الحاضرة على اعتبار العالم 2023 سنة الانتخابات.
الإجماع الذي أشار إليه باتيلي بخصوص الانتخابات وموعدها تُثار حوله نقاط استفهام داخلية وأخرى خارجية، فعلى الصعيد الداخلي صادق مجلس النواب على التعديل الثالث عشر على الإعلان الدستوري لعام 2011، الذي يتعلق بالقاعدة الدستورية للانتخابات، الذي كان مثار جدل، ذلك أن التعديل صدر ونشر في الجريدة الرسمية دون انتظار مصادقة المجلس الأعلى للدولة عليه، وهو ما سينجم عنه جدل وانقسام، زد على ذلك أن التعديل المُصادَق عليه لا يعالج النقاط الخلافية الأساسية بين المجلسين، كما أنه لا يحوي خارطة طريق محددة أو جدول زمني ملزم لكل الأطراف من أجل تنفيذ انتخابات شاملة ذات مصداقة يتم القبول بنتائجها من الجميع في نهاية 2023م.
دوافع خطة باتيلي للترتيب للانتخابات
بدا واضحا أن المجتمع الدولي أو من يمثله من أطراف فاعلة لا يثق في مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة وقدرتهما على حل خلافتهما حول الأساس الدستوري والقانوني للانتخابات، بل إن قناعة باتت راسخة لدى العواصم الغربية أن المعنيين بالتوافق على الانتخابات لا يرغبون في التوافق وسلوكهم معطل وبات عائقا أمام السير نحو الانتخابات.
أيضا لا جديد في إعلان رئيسي مجلس النواب والأعلى للدولة عن توافقهما بخصوص التعديل الثالث عشر للإعلان الدستوري، فقد سبق لهما الإعلان عن توافقات وتفاهمات ثم تقع انتكاسة ليبدأ الطرفان في جولات جديدة من التفاوض، وقع هذا مرات خلال السنوات الماضية، وكان آخرها إعلانهما خلال مؤتمر صحفي في القاهرة تفاهمات مهمة ليعودوا بعدها بأيام إلى الخلافات.
علاوة على ما سبق، يبدو أن الأطراف الغربية تدرك أن اتفاقا حقيقيا لم يقع، وأن التعديل الثالث عشر لم يحل الخلاف بين المجلسين وتم دحرجت خلافهما إلى الإمام في تمطيط جديد للأزمة، ذلك أن الخلاف كان حول شروط الترشح للانتخابات الرئاسية، التي لم يحسمها التعديل الدستوري الجديد ورحلها إلى مرحلة التوافق على قوانين الانتخابات، أي أن الأزمة ما تزال قائمة وما وقع هو دفعها إلى الأمام.
جوهر خطة باتيلي لإجراء الانتخابات
المبعوث الأممي أكد أنه استند إلى المادة 64 من الاتفاق السياسي الليبي لعام 2015، وبناء على الاتفاقات التي توصلت إليها الأطراف الليبية في السابق، فإن خطته تهدف إلى التمكين من إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية خلال عام 2023 “عن طريق إنشاء لجنة تسيير رفيعة المستوى للانتخابات في ليبيا”، يسند إليها وضع الأساس الدستوري والقانوني للانتخابات، وأنها ستكون خليطا تضم ممثلين عن النواب والأعلى للدولة ولكن بنسبة محدودة جدا، وممثلين عن كافة مكونات المجتمع الليبي ليصل العدد إلى 40 عضوا، إلا أنه لم يُشر إلى آلية اختيارهم، والضمانات لتحقيق المرجو من اللجنة وتفادي الأخطاء والخروقات التي وقعت في المقاربة المشابهة التي تبنتها ستيفاني ويليامز وأنتجت السلطة التنفيذية المكونة من المجلس الرئاسي الحالي وحكومة الوحدة الوطنية.
العوائق أمام الخطة وفرص نجاحها
ردود الفعل المحلية ما تزال في الإطار المفهوم، فمن عارضوا حتى الآن هم مجلس النواب والحكومة التي عينها المجلس بدلا عن حكومة الوحدة الوطنية، وسيكون أمام خطة باتيلي عائق في حال صوت المجلس الأعلى للدولة لصالح التعديل الدستوري الثالث عشر، فذلك يجعل موقف المجلسين شرعيا بناء على الاتفاق السياسي الذي أشار باتيلي أنه اعتمد عليه في التأسيس لخطته، وبالتالي تواجه خطته تحديا في تمريرها. أما في حال صوت الأعلى للدولة بالأغلبية ضد التعديل أو فشل في عقد جلسة قانونية بالنصاب الذي تقرره اللائحة المنظمة لعمل المجلس، فإن الطريق قد يكون ممهدا أمام خطة المبعوث الأممي، وربما ستأخذ المبادرة زخما كبيرا في حال دعمتها مكونات سياسية ومدنية واجتماعية واسعة ووقف من خلفها الأطراف الدولية الفاعلة وفي مقدمتهم الولايات المتحدة.
الآلية التي أعلن عنها باتيلي وهي اللجنة التسيير شبيهة بملتقى الحوار السياسي الذي اقترحته ويليامز الذي تأكد اختراقه وتوجيه أصوات العديد من أعضائه لصالح أجندات خاصة. أيضا ستواجه الخطة تحدي شرعنة مخرجاتها، خاصة وأن الأمر يتعلق بدستور وقوانين انتخابية، وهنا يأتي دور التعبئة لصالح الخطة واتساع مساحة التأييد لها شعبيا، فقبول شريحة واسعة من الليبيين بهذه الآلية ومخرجاتها هو الضامن لشرعيتها، فالمجلس الانتقالي الوطني الذي أسس للانتقال لم يكن منتخبا لكنه حظي بتأييد واسع ضمن أنصار التغيير الذي وقع العام 2011م.
فيما يتعلق بالموقف الدولي والإجماع الذي أشار إليه باتيلي، بدا من تعقيبات أعضاء مجلس الأمن أن الإجماع حول المبادرة غير متحقق، إذ لم يظهر جليا تأييد فرنسا، ولا يمكن الجزم بأن كلام مندوب الصين وروسيا داعما للخطة.
مسارات أخرى تضمنتها الإحاطة
الملف الأمني كان حاضرا في إحاطة باتيلي، حيث دعا إلى استكمال أعمال لجنة 5+5 من أجل توحيد الجسم العسكري منبّها أن اللجنة الرئيسية صادقت على أعمال اللجنة الفرعية المكلفة بعملية “تصنيف المجموعات المسلحة” مع إعلانها الشروع في “حوار مع ممثلي المجموعات المسلحة لمناقشة سبل تأمين بيئة مواتية للانتخابات”. وقد بدا ياتيلي متفائلا بخصوص الملف الأمني ولم يشر إلى التعقيدات التي يدركها المستمعون لإحاطته، التي تتعلق بصعوبات كبيرة تواجه توحيد المؤسسة العسكرية وإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة، خاصة التي تنتسب إلى دولتي روسيا وتركيا. ويحسب لباتيلي إشارته الواضحة للانتهاكات التي منها الاعتقالات التعسفية والسجن القسري التي تمارسها جهات ومجموعات مسلحة في البلاد، مع ملاحظة أوردتها منظمات تعنى بالعمل الاجتماعي والإنساني أن باتيلي أغفل أوضاع المهجّرين قسرا وحقهم في العودة إلى مناطقهم وبيوتهم واستعادة أملاكهم المنهوبة.
أما فيم يتعلق بالمسار الاقتصادي أفاد باتيلي أن “إدارة موارد البلاد مصدر قلق كبير لجميع الليبيين”. مشددا أن “النهوض بالمسار الاقتصادي جزء لا يتجزأ من الحوار السياسي”. والإشارة هنا إلى الخلاف حول صلاحيات الحكومة وأوجه الصرف وما تبع ذلك من هدر وفساد، وقرن هذا الملف بالحوار السياسي إنما يشير بوضوح إلى أن قدرا مهما من النزاع محركه رغبة الأطراف في السيطرة على القرار المالي في الدولة.
أبدت منظمات ونشطاء حقوقيون رضاهم عما جاء في إحاطة باتيلي بخصوص المصالحة الوطنية وحثّه أن تكون المصالحة شاملة ومركزة على الضحايا وذوي الحقوق، ومستندة إلى مبادئ العدالة الانتقالية، ذلك أن التركيز على المصالحة الوطنية دون النظر إلى العدالة الانتقالية ومتطلباتها كان قصورا شاب مبادرات الصلح التي صار العمل بها في القديم والحديث.
خاتمة
ما يزال الحكم على خطة باتيلي مبكرا والأحداث على الساحة الداخلية الأيام القليلة القادمة ستحدد اتجاهها، وأيضا مدى الدعم المباشر الذي ستتلقاه الخطة من قبل الأطراف الغربية، وكذلك ردود فعل دول لها نفوذها في البلاد مثل روسيا.
غير أن مبادرة باتيلي ألقت حجرا في الماء الراكد، وتصريحات عقيلة صالح الشهر الماضي عن ضرورة التوافق على شيء داخل مجلس النواب وإلا فإن البديل سيأتي من الخارج إنما كان يقصد ما تقدم به باتيلي في إحاطته وباركته الولايات المتحدة، التي بحسب الوثيقة المسربة، هي حاضرة في الترتيب للخروج من النزاع الراهن والدفع في اتجاه الانتخابات قبل نهاية هذا العام.
هناك سخط واسع محلي وخارجي من حالة الجمود والمراوحة ومحاولات تعطيل الانتخابات، وهذا محرك أساسي للأحداث في البلاد، وهو ما دفع الأطراف المحلية والدولية إلى أن تقدم خططا وتتسابق لتمريرها، وهذا اتجاه إيجابي للأزمة الليبية، ويحتاج فقط إلى توافق حقيقي من قبل أطراف فاعلة ومسؤولة تكمل ما تبقى من استحقاقات وتهيء المناخ الصحي للحدث الكبير الذي يعلق عليه قطاع واسع من الليبيين آمالهم.



