Skip to main content

في السادس من أغسطس شارك أعضاء المجلس الأعلى للدولة في انتخابات رئاسة المجلس السنوية، والتي كان التنافس فيها على أشده بين خالد المشري ومحمد تكالة، وإن كان ظاهر الأمر أن التنافس يجري بين عضوين من أعضاء المجلس إلا أنه في الحقيقة تنافس بين توجهين سياسيين في الساحة الليبية، محفوفين بحزام من التحالفات المتناقضة، والتي جعلت من هذه الانتخابات تأخذ منحى آخر من حيث انعكاس نتائجها على الواقع السياسي، ما ألقى عليها حالة من التحفز السياسي من كل الأطراف.

خلافٌ طرأ على نتيجة انتخابات الجولة الثانية بين المشري وتكالة، حول ورقة كُتب اسم المرشح تكالة على ظهرها، ما أثار بلبلة في قاعة التصويت أدت لاستثنائها أثناء فرز الأصوات، ثم حين ظهرت النتيجة النهائية بفوز المشري بفارق صوت استدعيت الورقة من قبل أنصار تكالة، وأثارت خلافا لم يحسم بعد من قبل القضاء، وإن أكدت اللجنة القانونية في المجلس على بطلان الورقة؛ ما شجع رئيس المجلس الأعلى للدولة على الدخول لمكتب الرئاسة في المجلس، وإلقاء خطاب يؤكد فيه على مباشرة مهامه كرئيس للمجلس، داعيا الأعضاء لاستكمال انتخابات هيئة الرئاسة داخل المجلس في جلسة لم يُقرر موعدها بعد.

نتائج انتخابات المجلس الأعلى للدولة أثارت حفيظة الحكومة، التي لا تبدو في أفضل أحوالها السياسية، خصوصا فيما يتعلق بالمشروعية السياسية، والتضييق المالي الذي مارسه عليها محافظ مصرف ليبيا المركزي، وبإعلان المشري عن توليه رئاسة المجلس الأعلى للدولة، يبدو أن المسار السياسي الذي سينتهجه غير مختلف عن مسار ما قبل فوز تكالة في الدورة الماضية للمجلس، ولكنها ستكون أكثر فعالية في حال نجاح مسار المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب في اختيار رئيس جديد للحكومة، ذلك أن تثبيت المشري نفسه على رأس الأعلى للدولة سيكون بمثابة قيد إضافي على حكومة الوحدة الوطنية، وعلى قدرتها على الحركة والمناورة وفي حال شمل الاتفاق أطرافا أوسع، خصوصا القوى الفاعلة على الأرض في المنطقة الغربية.

مجلس النواب ومنصب القائد الأعلى

صوّت مجلس النواب على إنهاء ولاية حكومة الدبيبة، واعتبار حكومة حماد هي الحكومة الشرعية حتى اختيار حكومة موحدة. جاء ذلك خلال جلسة مجلس النواب بمدينة بنغازي، حيث أكد رئيس مجلس النواب عقيلة صالح أن القائد الأعلى للجيش هو مجلس النواب، كما جاء في الإعلان الدستوري.

وقال صالح في كلمة له، إنه لا يجد غير تقسيم الثروة بين الأقاليم حلا للأزمة في ليبيا ينهي حالة الاشتباك، وفق قوله. كما أكد صالح على أن المرحلة التمهيدية التي جاءت بالمجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية انتهت بانتهاء المدد المحددة لها، داعيا إلى العمل على المصالحة، وبناء سلطة تحقق الحكم المحلي، وإنهاء المركزية، وتسمية المحافظات، حسب قوله.

وأشار صالح إلى أن السلطة التنفيذية التي جاء بها الاتفاق السياسي لم تحقق أي شيء جاء في الاتفاق، والتي منها تهيئة الأوضاع للانتخابات، مضيفا أن هناك مجموعة تريد بقاء الوضع على ماهو عليه، على حد تعبيره. كما دعا صالح إلى إعادة النظر في اتفاق جنيف للمرحلة التمهيدية؛ لا سيما وأنه لم يُضمّن في الإعلان الدستوري الذي يعتبر السند لكل السلطات، حسب قوله.

ويعد هذا الإجراء من طرف عقيلة صالح تصعيدا في العلاقة مع المجلس الرئاسي، وانحرافا عن المسار السياسي الذي حدده اتفاق الصخيرات وتونس – جنيف، فضلا عن أنه تكرار لتجاهل دور الأعلى للدولة في تحديد توجهات المرحلة الانتقالية.

البعض رأى أن ما أقدم عليه مجلس النواب ورئاسته، ما هو إلا استباق لخطوة قد يتخذها المجلس الرئاسي بإعلان حالة الطوارئ، وحل مجلس النواب والدولة، والدعوة لانتخابات، خصوصا وأن المجلس قد اتخذ قرارا بتشكيل المفوضية الوطنية للاستفتاء والاستعلام الوطني بحزمة واسعة من الصلاحيات، تتعلق بالانتخابات والرقابة عليها، وتنظيم التغطية الإعلامية، ونشر الاستفتاءات.

وبحسب نص القرار الذي صدر مؤخرا، فإن الهدف من تأسيس المفوضية هو تنفيذ الاستفتاءات والاستعلامات الوطنية، من الإعداد والتحضير، إلى الإشراف على التصويت وفرز النتائج، بالإضافة إلى تسجيل المواطنين الراغبين في المشاركة في الاستفتاءات، وفقا للقوانين الانتخابية، وتوزيع مراكز الاستفتاء بحسب الدوائر الانتخابية المعتمدة.

أزمة المصرف المركزي

تعد العلاقة المتوترة بين المركزي وحكومة الوحدة إحدى العوامل الرئيسية التي أثرت في قوة وأداء حكومة الوحدة الوطنية، إذ تفاقم الخلاف بين محافظ مصرف ليبيا المركزي وحكومة الوحدة الوطنية نهاية العام الماضي، وظهرت نتائج الخلاف على شكل إجراءات اتبعها المحافظ بزيادة الرسم على سعر الدولار، بزيادة وصلت إلى 27% ؛ما يعني أن زيادة المرتبات لكثير من فئات القطاع الحكومي التي انتهجتها حكومة الوحدة لم تعد ذات معنى، بالإضافة إلى توقف الإنفاق بشكل أحادي من المصرف المركزي في أبواب الميزانية، عدا الباب الأول وهو باب المرتبات؛ ما سبب في حالة من الشلل مُنيت بها حكومة الوحدة الوطنية، في ما يتعلق بأعمالها ومشاريع عودة الحياة التي أطلقتها قبل عامين.

القطيعة بين الحكومة والمركزي دفعت الطرفين إلى زيادة وتيرة التواصل شرقا، وقد تطور الأمر بمحافظ مصرف ليبيا المركزي لتوطيد العلاقة بمجلس والنواب ورئيسه، الذي أصدر قرارا لاغيا لم سبق من قرارات مجلس النواب باختيار محافظ جديد للمصرف المركزي قبل أعوام، مؤكدا العمل بما اعتمد من قرارات بدعم مجلس إدارة موحد للمصرف المركزي برئاسة الصديق الكبير كمحافظ ومرعي البرعصي نائبا له.

الحكومة لجأت لورقة المجلس الرئاسي الذي أصدر منشورا على صفحات التواصل الاجتماعي، أعلن فيه عن اختيار محافظ جديد وأعضاء مجلس إدارة جدد دون تسمية لأسماء، ودون ديباجة قانونية للقرار كما جرت العادة.

صلاحيات المجلس الرئاسي لا تخوله من اتخاذ قرار من هذا النوع، فقد اكتفى المجلس بالإعلان على صفحات الفيسبوك عن توجهه دون إجراء مباشر، إلا قرار تشكيل لجنة التسليم والاستلام، لهذا قد يكون ما أقدم عليه الرئاسي تمهيدا لتفاوض حول الملفات الخلافية، خصوصا وأن المشهد لم ينزلق بعد نحو أعمال عنف واقتتال بين القوى المختلفة على الأرض، والتي انقسمت في طرابلس بين مؤيد ودعم للمحافظ أو شراكة مباشرة مع الحكومة.

ردود الفعل على بيان المجلس الرئاسي جاءت من المجلس الأعلى للدولة، الطرف الذي يمثله خالد المشري، ومجلس النواب، وكان موقفهما رافضا لما قام به الرئاسي، فقد أكد رئيس مجلس النواب أن اختصاصات الرئاسي قد حُددت حصرا وليس من بينها المناصب السيادية، التي يتم البت فيها بالاتفاق بين مجلس الدولة والنواب، وأن مثل هذه القرارات قد تضر ضررا جسيما بالدينار الليبي. أما المجلس الأعلى للدولة فقد أكد أن قرار الرئاسي جاء منعدما من الناحية القانونية لعدم الاختصاص.

اجتمع محافظ المصرف المركزي، في أول رد فعل له، بمدراء الإدارات داخل المصرف في طرابلس، في رسالة مفادها: عدم الاعتراف بقرارات الرئاسي المتعلقة بالمصرف المركزي، وتأكيده على استمراره في أداء مهامه. ولا يلغي ذلك انطلاق مبادرات تقودها مكونات سياسية واجتماعية، وحتى أمنية بطرابلس العاصمة، لاحتواء الوضع.

خلاصة

يبدو أن الوضع السياسي قد تقدم خطوات باتجاه مزيد من التأزيم، وأدى غياب الوساطة الدولية ممثلة في البعثة الأممية إلى تصعيد وتصعيد مقابل من قبل أطراف النزاع في غرب البلاد وشرقها، فجهود تمرير ميزانية بإشراف حكومة الشرق، في تناغم مع المصرف المركزي، ثم اعتبار الأجسام التنفيذية في الغرب منتهية الولاية، وسحب صلاحيات القائد الأعلى للقوات المسلحة من المجلس الرئاسي؛ أثار مخاوف في غرب البلاد من أن تتجمع مظاهر القوة والنفوذ لدى الخصم في الشرق، فجاءت ردة الفعل بإجراءات عزل المحافظ.

 يمكن القول إن الوضع بات أمام مفترق طرق، في أحد الاتجاهات يكمن شبح الاقتتال وما يعقبه من تكريس للانقسام واعتماد صيغ وإجراءات لتثبيته، وفي الاتجاه المقابل التهدئة عبر احتواء الوضع المتأزم من خلال مبادرة دولية تفرض واقعا جديدا.