Skip to main content

في ظل الانسداد السياسي وتصدع البنية السياسية للبلاد، برزت دعوات العودة إلى الملكية بشكل لافت على وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصا مع مجموعة اللقاءات التي يظهر فيها محمد الرضا نجل ولي عهد المملكة الليبية يستقبل فيها وفود من أكاديميين وأعيان ونشطاء من عدة مدن ليبية كشكل من أشكال حملة العلاقات العامة عارضين العودة إلى الملكية كحل فوري للمشكلات التي تعاني منها البلاد من اختلال في الأمن وانقسام سياسي وغياب الدولة وروح القانون.

مبررات العودة للملكية

يتحدث محمد السنوسي نجل ولي العهد عن كون العودة للملكية عودةً للأساس الأول والشرعية الأولى للدولة الليبية التي استقلت عام 1952 كدولة ملكية يحكمها الملك محمد إدريس السنوسي، واعتبر محمد الرضا في عديد لقائته وظهوره الإعلامي العودة إلى الملكية عودة للشرعية المسلوبة بفعل الانقلاب العسكري عام 1969، كما أن تسمية محمد الرضا السنوسي نفسه بالأمير وفي أحايين أخرى بولي العهد يجعل المطالبة بالعودة للملكية الدستورية هي مطالبة الحكم لنفسه وتوليه شخصيا السلطة وهو ما لا ينسجم مع ذكره الأمير من مطالبة الليبيين بالملكية الدستورية وحرصهم على العودة إلى النظام الملكي، ويجعل دعوته عرضة للانتقاد بسبب عدم الاتساق بين المطالبة بنظام عام للحكم في البلاد والمطالبة بالعرش استنادا للحق الدستوري والتاريخي.

وزن وامتداد حراك العودة

لا يزال الوقت باكرا للحديث عن عمق الدعوة إلى الملكية الدستورية خصوصا وأن محمد الرضا السنوسي لم يزر ليبيا حتى الآن منذ إطلاق حراك العودة إلى الملكية الدستورية. من جانب آخر فإن التأثير السياسي للعودة للملكية في واقع البلاد لا يزال محدودا، بل لا يكاد يذكر في الحراك السياسي اليومي كما أن تأثير هذه الدعوة لا يزال قليل التأثير ومحصورا في النخب وهو ما شهدته لقاءات السنوسي في إسطنبول والتي أعلن عنها عبر حسابه في منصة تويتر والتي غلب عليها استقباله للأكادميين والنخب السياسية و النشطاء المدنيين وبعض التكنوقراط.

حظيت الدعوة السنوسية في المنطقة الشرقية والجنوبية بعمق اجتماعي تاريخي وولاء قبلي قديم واحترام وتقدير وصل إلى حد التقديس، إلا أن دعوة محمد الرضا للعودة للملكية الدستورية لم تستهدف هذه الشرائح حتى الآن ولم يرفع فيها شعار السنوسيين ودعوتهم بالغة الأثر في القرى والبوادي ذات الطابع القبلي، بل تركز ت دعوته ونشاطه عوضا عن ذلك على أمرين إثنين وهما الشرعية القانونية والأوضاع السياسية الراهنة وما تعانيه من سوء وتقديم نفسه كحل للمشكلتين دون برنامج عملي واضح.

عناصر القوة والضعف

لعل أبرز عوامل قوة دعوة محمد الرضا السنوسي وحراك العودة للملكية الدستورية هو الوضع السياسي الراهن في البلاد وما يعانيه الواقع السياسي من فوضى وانقسام وحروب قد نشبت وألقت بضلالها على البلاد والهدر الكبير في ثروات البلاد. كما أن عدم اعتماد دستور للبلاد حتى اللحظة وعدم اجماع الليبيين على نظام سياسي وطريقة حكم معينة يجعل من دعوة السنوسي ممكنة.

ومن عوامل قوة دعوة محمد الرضا بعده عن الحالة السياسية الليبية منذ الثورة وعدم انخراطه بأي شكل من الأشكال في العملية السياسية كما أن توقيت إطلاقه للحراك بشكل تصاعدي من حيث النشاط وصولا لإعلانه نيته العودة إلى ليبيا وإطلاقه للحوار الوطني الذي ينتج عنه العودة للملكية هو توقيت سياسي مناسب إذ أن الانقسام والتصدع قد بلغ منتهاه خصوصا مع الانغلاق السياسي وتعثر حكومة الوحدة الوطنية واحكام حفتر لسطوته على المنطقة الشرقية ما يجعل العودة إلى نظام ملكي  بشكل صريح  مثيرا لاهتمام كثير من الباحثين عن مخرج  لأزمة البلاد أكثر منطقية دون  الحاجة لمساحيق تجميل باسم المدنية في المنطقة الغربية وباسم ضبط الأمن والجيش في المنطقة الغربية وهو ما يثير حساسية كثيرين بتسلط عائلات بعينها على الحكم واستئثارها بالقرار وتكوينها لشبكات اقتصادية ونفعية واسعة.

كما أن عناصر الضعف في دعوة العودة للملكية الدستورية هي عناصر ذاتية تتعلق بتقادم الزمن والبون الكبير بين الناس والنظام الملكي الذي مضي على زواله أكثر من 55 عاما تقريبا وهو ما يعني وجود أكثر من أربعة أجيال لا يعني لها النظام الملكي شيئا وهي الأجيال التي تشكل الشريحة الأوسع من المجتمع، بل أكثر من ثلثيه حسب آخر الإحصاءات.

من جانب آخر فإن فكرة الملكية الدستورية لا تبدو واضحة كمشروع إذ أن النظام الملكي الذي حكم البلاد منذ عام 1952 وحتى عام 1969 لم يكن ملكيا دستوريا  بشكل مطلق بل كان الملك وقصره عنصرا أساسيا في الفعل السياسي اليومي، أي أن فكرة الملكية الدستورية الليبية ما تزال محدل جدل.

أيضا فإن الأفكار الأساسية التي يبني عليها محمد السنوسي لا تبدو ذات أهمية عند الشريحة الأوسع من الليبيين والتي أهمها فكرة الشرعية القانونية والتي يمكن أن تكون إطارا مرجعيا حاكما لفترة محدودة إلا أنها بالتأكيد لا يمكن أن تكون مرجعا مطلقا للأبد إذ أن الشرعيات الدستورية منذ الاستقلال هي محل نقاش وخلاف في كثير من الأحيان، وهي محل تآكل مع تقادم الزمن الأمر الذي يفقدها جزء من قيمتها ويعظم من التأثير السلبي للتفرد والاستبداد السياسي وغياب الشفافية والرقابة الشعبية.

إحدى عوامل الضعف الرئيسية التي يمكن الإشارة إليها في حراك العودة للملكية الدستورية هي عزلة الحراك عن الأوساط الاجتماعية في المنطقة الشرقية والاعتماد على الإرث السنوسي في برقة والذي يمثل امتدادا تاريخيا يكاد يقترب من المائتي عام. كما أنه لا يعتبر إرثا سياسيا فحسب بل هو إرث اجتماعي ديني ذو أثر كبير في حياة السكان، يمكن للحراك البناء عليه وتقديم نفسه من خلاله إلا أن سطوة حفتر على المنطقة الشرقية تمثل التحدي الأكبر لمثل هذا الحراك وهو ما جعل السنوسي ينشط بدعوته في أوساط ونخب المنطقة الغربية بشكل لافت.

فرص قبول الملكية

تبدو فرص القبول بالملكية غير قوية لعدم وجود الأدوات الفاعلة والمؤثرة من ناحية سياسية كما أن الحالة السياسية وتمسك كل الأطراف بعوامل قوتها يجعل من فرص أي حراك سياسي مضاد للوجود السياسي للأطراف الفاعلة أمرا بعيدا المنال.

يضاف إلى ما سبق أن فقدان الظهير الشعبي والحزام الاجتماعي لهذه الدعوة يبدو واضحا ويرجع إلى الحراك بنسبة قليلة ولكن النسبة الأكبر تقع على شخصية وكاريزما محمد الرضا السنوسي الذي بحسب مراقبين لم يستطع حتى الآن تقديم نفسه بشكل لافت لليبيين، بل إن قالب التقديم رغم مرور السنين لم يتعد الكلمة السنوية المسجلة في ذكرى الاستقلال والتي عادة لا تتضمن رؤية ومشروع سياسي واضح المعالم وبرنامج عمل محدد.

على صعيد أوسع فإن الرافد الدولي لهذه الدعوة هو ما قد يحدد مستقبلها ومدى تأثيرها خصوصا في حال تبني طرف إقليمي لهذا الحراك ودعمه بشكل مباشر وهو ما قد يجعل من الحراك أكثر تأثيرا ونشاطا ولكنه في المقابل قد يؤثر على نزاهته وحياديته وهو بالمناسبة ما نجح  الحراك حتى الآن في تلافيه، ولعل التبني السياسي للحراك من قبل دول المركز هو ما سيفرض الملكية على الطاولة السياسية الليبية إلا أن هذا الأمر يعد مستبعدا في ظل الخلاف الدولي حول مستقبل ليبيا والمسار السياسي المطلوب للخروج من حالة الانسداد السياسي.

والخلاصة هي أن الدعوة للعودة للنظام الملكي ما تزال محصورة في إطار نخبوي ولا تزال لم تأخذ حيزا مهما ومساحة من ساحة التدافع السياسي، إلا إن الإحباط الكبير الذي يعم الليبيين وفشل الطبقة السياسية المتنفذة في الخروج من براثن التأزيم قد يمهد الطريق ويفسح المجال لرواج مرجو للدعوة الملكية لتفرض نفسها كخيار من بين البدائل المتاحة.