Skip to main content

وصفه بعض خصومه بالقاصر وحتى المريض، وكانت طريقة حديثه وبعض تصريحاته وسلوكياته محل جدل بل وسخرية، لكن النظر ببعض العمق لشخصه ومقاربته الوضعَ في البلاد، يكشف أن عبد الحميد الدبيبة يمارس السياسة ويتكيف مع الأوضاع شديدة التعقيد حوله بتوازن يحافظ له على مكانته لدى مختلف الطيف السياسي الليبي.

المدخل الاقتصادي كان البوابة الواسعة التي دخل منها إلى قلوب شريحة كبيرة من الليبيين بكافة مشاربهم، وهي التي جلبت إليه سخط الخصوم السياسيين، فقد تلبست حكومته بفساد ووقع بعض وزرائه تحت طائلة الملاحقة القانونية من قبل النائب العام، وكان الفساد الذريعة التي استند إليها مجلس النواب في حجب الثقة عن حكومته.

حفتر الذي تصادم مع الدبيبة بسبب رفضه إسناد وزارة الدفاع لأحد أنصاره صار أقل حدة في موقفه منه، ووقعت تقاطعات بينهما كان أبرزها التفاهم حول ملف النفط الذي أدى إلى فتح الحقول والمواني في مقابل تعيين بن قدراة خلفا لصنع الله مديرا للمؤسسة الوطنية للنفط، ولم يكن الدبيبة خاسرا في الصفقة، وهناك خط ساخن يفصل بين حفتر والنواب تجاه الموقف من الدبيبة.

فبراير التي بدت أكبر الخاسرين في تشكيل حكومته كانت محل مغازلة مستمرة، فموقف الدبيبة من قطب محوري في فبراير، هو المفتي الصادق الغرياني، أذهل كثيرين من أنصار المفتي وخفف من شك قطاع من أنصار فبراير تجاه الدبيبة، وجاءت احتفالات ذكرى الثانية عشر من الثورة لترفع من أسهمه عند أنصارها، فتفاصيل الاحتفال التي أذهلت الجميع كانت مختارة ومعدة بعناية فائقة وإخراجها كان محسوبا بدقة.

بالمقابل، فإن لفتات الدبيبة التكتيكية تجاه أنصار سبتمبر ليست أقل قيمة أو تأثيرا، فالمحسبون على سبتمبر في الحكومة ليسوا قلة، كما أن مبادرات الإفراج عن كبار شخصيات النظام السابق تقمع الشك في مواقفه منهم.

وملخص التعاطي السياسي مع الحالة الليبية بالنسبة للدبيبة هو كسب ثقة الجموع العريضة من الليبيين بتحسين مستوى معيشتهم ودخولهم، وهذا واقع مشاهد عبر تحسن الخدمات العامة من كهرباء وماء، وارتفاع دخولهم عبر زيادة المرتبات والإفراج عن العلاوات التي كانت متوقفة منذ سنوات.

أما التيارات السياسية، فإنه أوجد معادلة توازن تجعل كل طرف يقدر مكانته بإظهار التناغم مع مواقفه في مقاربة لا نقول إنها ناجحة مائة بالمائة، إلا إنها تجعل له قدرا من القبول لا يمكن إنكاره.