Skip to main content

دعا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لتأسيس كيان مغاربي يقوم على التنسيق بين الجزائر وليبيا وتونس، جاء ذلك على هامش مؤتمر الدول المصدرة للغاز، وأوضح تبون أنه اتفق مع ليبيا وتونس على العمل معًا لخلق كيان مغاربي مشترك، وليس موجها ضد أي دولة. وأرجع سبب القرار إلى غياب عمل مغاربي مشترك، لذا جرى الاتفاق على عقد لقاءات مغاربية دون إقصاء أي طرف، والباب مفتوح للجميع.

الوضع السياسي في منطقة شمال إفريقيا

تأتي دعوة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في ظل ظروف سياسية شديدة التعقيد محليا وإقليميا، فعلى المستوى المحلي تعاني البلاد من حدة الانقسام السياسي وجمود في العملية السياسية وغموض مستقبل الانتخابات وفرص إنجازها، في الوقت نفسه تعاني تونس من أزمة دستورية نتيجة الإجراءات التي أتخذها الرئيس قيس سعيد والتي قادت إلى تعطيل الحياة السياسية بوقف التعدد الحزبي في البلاد، كما تعصف بتونس أزمة اقتصادية خانقة مسببة في نقص حاد في المواد الغذائية الأساسية وارتفاع الدين الخارجي ليصل إلى أكثر من 80% .

كما تشهد منطقة الساحل والصحراء بشكل عام توترا أمنيا كبيرا فمن السودان شرقا إلى مالي غربا يهيمن التوتر على الحالة الأمنية في شريط الساحل والصحراء بالإضافة إلى تصاعد الحروب والصراعات المسلحة بشكل ملفت، فلا تزال حالة الحرب مشتعلة في ربوع السودان مع ظروف إنسانية غاية في الصعوبة كما تشهد تشاد خلافات حادة داخل قصر الحكم وزاد قرار المجلس العسكري الحاكم في النيجر القاضي بإنهاء وجود القوات الأمريكية في البلاد من حالة التأهب والتوتر بالإضافة إلى الاشتباكات المسلحة في مالي بين الحكومة والجماعات المسلحة ذات الخلفية الجهادية.

إذن فإن دعوة الرئيس الجزائري تأتي في ظروف سياسية وأمنية واقتصادية معقدة في المنطقة المتاخمة لدول المغرب كما أن غاية الدعوة من حيث التوقيت لا تبدو واضحة من قبل الرئيس الجزائري سوى  ما قاله وزير الخارجية حمد عطاف، في مؤتمر صحفي بالعاصمة عُقد الثلاثاء الماضي، خلفيات اللقاء المغاربي الثلاثي الذي بادر به تبون.

وقال عطاف: “تبني هذه المبادرة جاء نتيجة الغيبوبة التي يعيشها الاتحاد المغاربي الذي ليس له أمين عام صلاحيات”.

وأشار إلى أن تبون، منذ قرابة السنة، كان يطرح الفكرة في كل لقاءاته مع القادة المغاربة، ومبعوثيهم الذين كانوا يتوافدون على الجزائر، حيث أكد لهم أن المنطقة المغاربية هي الوحيدة في العالم التي لا تمتلك أطرا تشاورية. وأكد عطاف أن الرئيس الجزائري اقترح الفكرة، وفي انتظار عودة الاتحاد المغاربي إلى الحياة، مضيفا أن مهمته خلال الزيارات التي قام بها إلى الدول المغاربية كمبعوث خاص كانت من أجل شرح هذا المبتغى.

وبالإشارة إلى الاتحاد المغاربي فإن فكرة الاتحاد المغرب العربي لم تر النور سوى عام 1989 في مراكش بعضوية كل الدول الخمس  المغاربية ، وقد كان يهدف إلى تأسيس حالة أشبه بالنظام الكونفدرالي إلا أن الخلاف الجزائري المغربي حال دون تحقيق أي تقدم يذكر في هذا مشروع الاتحاد المغاربي.

فرص نجاح التكتل المغاربي 

تأتي دعوة الرئيس الجزائري لتأسيس تكتل مغاربي مستثنيا المغرب من دعوته ما قد يعد المقوض الأول لنجاح انشاء تكتل مغاربي فاعل، كما ينظر لفكرة تأسيس تكتل مغاربي كمسار جزائري موازي لمسار اتحاد دول المغربي العربي الذي فشل في منتصف التسعينيات نتيجة للخلاف المغربي الجزائري وهو ما يطرح تساؤلا عن فرص نجاح جسم جديد غير واضح المعالم من حيث البرنامج السياسي والأهداف عدا كونه جسم لتنسيق جهود ثلاث دول تعيش إثنين منها حالة عدم استقرار سياسي ما يجعل فشل قيام هذا التكتل مقترنا بأي تغيير سياسي في أي من الدولتين.

وعلق مراقبون ليبيون وأعضاء بمجلس الدولة عن عدم إمكانية مضي المجلس الرئاسي في أي ارتباطات دولية طويلة الأجل دون الرجوع للسلطة التشريعية في البلاد كونه رئيس لسلطة انتقالية محدودة الصلاحيات، وبالرغم من ذلك فإن سلطة المجلس الرئاسي محدودة بالمقارنة بسلطة الحكومة فإن حضوره للاجتماعات التنسيقية المقرر عقدها بشكل ربع سنوي تبدأ بعد شهر رمضان من هذا العام لا تعدو أن تكون لقاءات تنسيقية في مرحلتها الأولى إلا أن المضي في أي خطوات ابعد من ذلك لن تكون قابلة للتحقيق دون تبني حكومة الوحدة الوطنية لهذا الخيار.

وبعيدا عن تعقيدات المشهد السياسي الليبي والانقسام والجمود فإن مرور مشروع بهذا الحجم وهذا التأثير من غير المتوقع أن يمر خصوصا مع عدم وجود حكومة مركزية تحكم سيطرتها على كامل التراب السياسي للبلاد وهو ما يجعل فرص نجاح قيام هذا التكتل صعبة للغاية إذ أن المشكل الداخلي الليبي لا زال عاملا من عوامل الخمول الليبي في المبادرات الدولية ومعيقا لأي دور ليبي فعال في الحالة الإقليمية والدولية، ففي حالة استئناف لدور مغاربي فيمكن لليبيا أن تكون وسيطا فاعلا في حل الخلاف المغاربي أو حتى تحجيمه مع وصول أزمة الصحراء إلى مراحلها الأخيرة.

عوامل فشل قيام تكتل مغاربي

يمكن اعتبار النظام السياسي الرسمي في دول المغرب هو التحدي الأبرز في وجه قيام تكتل مغاربي فاعل تقوم على أساسه سياسات اقتصادية وأمنية وخارجية مشتركة، فإن النظام السياسي في كل من ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا يغلب عليها الاستبداد السياسي وتغييب الإرادة العامة للشعوب وإن سنحت في بعض تشكلاتها بهامش من التمثيل السياسي إلا أنه تمثيل سياسي غير مؤثر ولا يسمح بمرور تغيير حقيقي على أرض الواقع فيما يتعلق بالمنظومة السياسية التي يستأثر بالقرار فيها القلة على حساب الكثرة كما المنظومة الاقتصادية التي يغلب عليها الفساد فينتشر الفقر في دول دخلها القومي لا يقل عن 45 مليار ودولار ويصل إلى 190 مليار في أفضل الحالات ما يدل على استئثار الطبقة السياسية وحواشيها بالمنافع الاقتصادية الأكبر ما يمثل غياب العدالة في توزيع الثروة.

تتحدث النظريات الديمقراطية أن فرص توافق الديمقراطيات أعلى منها في الدول غير الديمقراطية إذ أن الحالة الديمقراطية تؤدي لتبادل اقتصادي أوسع بين الدول وتوطيد للعلاقات عن طريق التجارة والسفر ما يختصر مسافات كبيرة على النظم السياسية في تحقيق التكامل الاقتصادي والسياسي ، وهو الحلقة الأبرز الغائبة في دعوة الرئيس الجزائري الذي يسعى للقفز إلى النتيجة دون توفير متطلباتها الأساسية اللازمة لتحقيقها، ففي ظل الخلاف المغربي الجزائري الذي يمكن حصره في خلاف نظامي الحكم في البلدين فإن قيام أي حالة مغربية صحية غير ممكن لأسباب اقتصادية أولا وللثقل السكاني في البلدين ثانيا وللـتأثير السياسي لكل من الجزائر والمغرب.

خلاصة

لا تبدو دعوة الرئيس تبون لتأسيس تكتل مغاربي في طريقها لتحقيق لشيء يذكر لعدة أسباب أهمها غياب المغرب ومحاولة تجاوز اتحاد دول المغرب العربي دون السعي لإعادة تفعيله، من جانب آخر في الأوضاع السياسية في كل من ليبيا وتونس وعدم الاستقرار السياسي والظروف الاقتصادية كلها عوامل ليست في صالح الدعوة الجزائرية الطموحة لتأسيس كيان مغاربي ينشط سياسيا لحماية مصالح دول شمال إفريقيا في ظل الفوضى الأمنية في المنطقة وغياب الاستقرار عن دول الساحل والصحراء المتاخمة للدول المغاربية.