Skip to main content

أثار قرار مجلس النواب تعيين بالقسم خليفة حفتر مديرا لصندق التنمية والإعمار في ليبيا جدلا واسعا وذلك لصلة المعني بخليفة حفتر، الشخصية النافذة بدون منازع في شرق ومناطق واسعة من جنوب البلاد.

تكليف بلقاسم حفتر بهكذا منصب يعد حلقة في سلسلة من نهج إدارة المناطق الخاضعة للأب بعد أن صار أبناءه، صدام وخالد، من أقوى الشخصية العسكرية والأمنية، ويشاركون والدهم في إدارة شؤون الشرق والجنوب ولهم كلمتهم في عملية التدافع مع الاطراف النافذة في غرب البلاد.

ويمثل تعيين بلقاسم مديرا لصندق التنمية والإعمار تطورا مهما، ذلك أن المهمة الجديدة تجعله في مستوى مساوي لرئيس الحكومة بحكم الصلاحيات التي منحت  للصندوق ومديره.

بالقاسم حفتر رئيسا لصندوق إعادة الإعمار

أدى بالقاسم حفتر النجل الأصغر لخليفة حفتر اليمين أمام رئيس مجلس النواب كرئيس لصندوق إعمار ليبيا كجهة سيادية مستحدثة من قبل المجلس. ويأتي تعيين بالقاسم كرئيس لصندوق إعمار ليبيا بعد تكليفه العام الماضي برئاسة صندوق إعادة إعمار درنة عقب الطوفان المدمر الذي ضرب المدينة في الحادي عشر من سبتمبر من العام المنصرم.

لعب بالقاسم حفتر أدوارا سياسية صريحة إذ كان مسؤول الملف السياسي بالقيادة العامة للجيس التابع لمجلس الواب، ويشغل منصب المستشار السياسي لرئيس المجلس، عقيلة صالح. أيضا يعد بالقاسم المسؤول الأول عن إدارة الكتلة السياسية الموالية لحفتر داخل مجلس النواب، وتؤكد مصادر المطلعة أنه شارك في التفاوض لتشكيل السلطة التنفيذية في حوار تونس – جنيف.

أيضا أكدت صادرة عدة لعب بالقاسم دورا في تشكيل الحكومة الليبية بعد تكليف فتحي باشاغا برئاستها من قبل مجلس النواب، وذلك إثر حجب الثقة عن حكومة الوحدة الوطنية. وتربط بالقاسم حفتر علاقة قوية مع الرئيس الحالي للحكومة الليبية في الشرق، أسامة حماد، وبحسب مراقبون فقد كان بلقاسم خلف خلافة حماد لباشا غا، بعد إيقاف الأخير عن العمل وإحالته للتحقيق. 

يأتي تعيين بالقاسم حفتر بموقعه كرئيس لصندوق إعادة الإعمار  في عدة سياقات أولها حساسية الملف واعتباره بوابة للتواصل مع البيروقراطية المحلية ومع التكنورقراط وغيرهم من مكونات المجتمع، ومساحة للتشبيك مع الخارج، انظمة وشركات وما في حكمها، وقناة للتواصل مع الدول المتدخلة في الشأن السياسي الليبي خصوصا مصر وتركيا.

من جانب آخر فإن وجود هذه الواجهة السياسية والصفة الرسمية يعتبر عاملا مهما للتحرك في البلاد، كما أن مكانة بالقاسم كرئيس لصندوق إعادة الإعمار هي بلا أشك أكثر قبولا من صفته كسياسي ينشط لخدم أجندة والده في الصراع الدائر في البلاد.

صندوق الإعمار.. الوظيفة والدور

صدر القانون رقم 1 لسنة 2024 من قبل مجلس النواب بشأن إعادة إعمار ليبيا، ويأتي إنشاء الصندوق بحسب مجلس النواب لمهمة محددة وهي تنفيذ خطط وبرامج إعادة الإعمار وتطوير المدن والقرى والمناطق الليبية. وبحسب القانون فإن الصندوق يتمتع بالشخصية الاعتبارية والذمة المالية المستقلة ومقره مدينة بنغازي.

وتعد أهداف الصندوق وأغراضه واسعة من حيث الاختصاصات إذ يحق للصندوق المشاركة في وضع السياسات العامة والتنسيق مع بيوت الخبرة ويحق له الاستثمار وإنشاء الشركات، وذلك كما تنص المادة 6 من قانون تأسيسه.

وبالنسبة لتمويل الصندق ومشروعاته، فقد أوكل القانون مهمة تقدير ميزانية الصندوق لإدارته، واعتبر القانون الهبات والمساعدات غير المشروطة والقروض والمساهمات مصدرا أساسيا لتمويله. وبالإضافة إلى ذلك كله فقد نص قانون مجلس النواب على أن تسند لمدير الصندوق الاختصاصات والصلاحيات الخاصة بوزارة التخطيط.

وبالنظر إلى ما نص عليه قانون تأسيس الصندوق من قبل مجلس النواب فإن مسألة الإقتراض من المصارف الخاصة والعامة لا تزال حاضرة في ذهن مجلس النواب الذي لجأ لفكرة الاقتراض بغية تمويل النفقات الحكومية عام 2014م وما بعده، وكان هذا أحد أهم التحفظات على القانون، ذلك أن تجربة الاستدانة من المصارف من قبل الحكومة المؤقتة  انتهت إلى تداعيات خطيرة على الجهاز المصرفي وعلى الاقتصاد بشكل عام.  

المؤيدون لهذه الخطوة يرون أنها قد تعود على البلاد والاقتصاد بفوائد جمة، فهي في نظرهم بمثابة توجه حقيقي لإنهاء الحروب والاتجاه إلى البناء، أما المعارضون فيرون فيها خطة لتمكين أبناء حفتر من مفاصل الدولة ووسيلة بديلة ومصدرا جديدا من مصادر الدخل للجيش التابع لمجلس النواب والتي تضاف إلى مصادر التمويل الذاتي من خلال جهاز الاستثمار العسكري الذي استلهمت فكرته من صندوق الاستثمارات العسكرية الذي يدير النشاط الاقتصادي للجيش المصري.

دلالات تعيين نجل حفتر

أثار تعيين بالقاسم نجل حفتر الأصغر مديرا لصندوق التنمية وإعادة الإعمار جدلا خصوصا أن قانون انشاء الصندوق من قبل مجلس النواب جاء في الوقت الذي يشغل فيه بالقاسم  موقع مستشار رئيس المجلس. كما أن الاعتبار الرئيسي المنقدح في أذهان المتابعين والخبراء في تقييمهم لتسلم بالقاسم حفتر لإدارة صندوق اعمار ليبيا هو اعتبار واحد كون الأخير نجل لقائد “الجيش”، الحاكم الفعلي في المنطقة الشرقية، كما أن مبررات تنصيب بلقاسم حفتر، في نظرهم، لم تخضع لمعايير إدارية سليمة، إذ أن خبرة الأخير في مجال التنمية والإعمار لا تؤهله لتولي إدارة صندوق بصلاحيات واسعة تضاهي صلاحيات وزراء بل رئيس حكومة في مجال التنمية والإعمار.

المخاوف التي عبرها عنها المتحفظون على المهمة الجديدة لبالقاسم حفتر تدور حول القلق من تحكم أبناء حفتر في مفاصل المؤسسات الرسمية، العسكرية والمدنية بالمنطقة الشرقية، وتنقل الفضائيات ومواقع التواصل اعتراضات حتى من أيدوا حفتر ودعموه ولا يزالون يدعمونه على ما وصفوه باستئثار ابناءه بكل شيء يتعلق بإدارة الجيش والأمن والاقتصاد والخدمات وحتى الانشطة الاجتماعية والثقافية والرياضية.

أحد أبرز المسؤوليات غير العسكرية والأمنية التي يمارسها خالد حفتر، أمر اللواء 106، هو رعاية نادي الأهلي بنغازي، النادي الأكبر شعبية وجماهيرية في المنطقة الشرقية عموما وبنغازي خصوصا. ويولي خالد حفتر الاهتمام بالرياضة باعتبارها جسرا للتواصل مع القطاعات الأوسع مع الجماهير ما يظهر السعي لحالة من القبول الاجتماعي والرضا الشعبي لا يحتاجها العسكري في عمله، لكنها أساسية لمن يرغب في تعزيز مكانته ودوره في التدافع والمنافسة السياسية.

من جانب آخر فإن  نشاط صدام حفتر النجل الأكثر حضورا وربما نفوذا بعد حضور ونفوذ أبيه،  بات بارزا؛ فبحسب مراقبون فإن صدام ليس فقط آمر أكبر جسم عسكري وهو لواء طارق بن زياد، وليس مجرد آمر العمليات البرية في الجيش، بل هو الحاكم التنفيذي في مناطق شرق وجنوب البلاد من خلال إمساكه بالملف الأمني في بنغازي والملف العسكري شرق البلاد وجنوبها.

ويلاحظ ان رقعة تحرك وفاعلية صدام لا تقتصر على الشرق والجنوب، فقد اتجه إلى توطيد عرى التواصل مع قادة الكتائب والتشكيلات المسلحة والأمنية في المنطقة الغربية، ويشهد على ذلك لقاءاته مع النافذين العسكريين والأمنيين في المنطقة الغربية لعدة مرات في مدن ليبية وعواصم عربية.

ربما لم تظهر نتائج ملموسة لتلك الاجتماعات تتعدى بعض التنسيق الأمني، لكن ما ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار هو أن الأطراف التي كانت قبل فترة قصيرة في مواجهة شرسة باتت تبحث لها عن سياق للتفاهم والتوافق والشراكة القائمة على تبادل المصالح وتقاسم النفوذ ، وهذا ما جعل صدام وكيلا وممثلا مباشرا للجيش التابع لمجلس النواب في نظر قادة التشكيلات المسلحة والنخب العسكرية والامنية بالمنطقة الغربية، بل ربما الوريث الفعلي لنفوذ والده، ما يجعل تواصله مع الجبهة الغربية فاعلا ومهما.

الصديق حفتر هو الأكبر سنا والأقل مشاركة في التداقع السياسي والأمني، ويظهر الصديق اهتمامات بالثقافة والأدب والشعر، ويقدم نفسه كناشط مدني لا صلة له بالصراعات والنتافس على السلطة، وهو ما يؤهله للانفتاح على الخارج والتواصل مع فواعل سياسية ومجتمعية، حتى أنه نجح في الوصول للبرلمان الأوروبي وألقى كلمة فيه، وهو دور يراه مراقبون مكمل لأدوار الأشقاء الثلاث الذين ينحصر نشاطهم وفاعليتهم في الداخل.

ونخلص للقول أنه من المبكر الجزم بأن ما يقوم به أبناء حفتر يأتي ضمن استراتيجية أو خطة لتوزيع الأدوار بغرض احكام السيطرة على مناطق نفوذهم وتوسيع دائرة ذلك النفوذ والسعي لتأمين تموقع العائلة في حالة غياب الوالد عن المشهد لأي سبب. لكن هناك ما يشير إلى اتجاه من قبل حفتر لحفتر لفتح مسارات متوازية لمنع التنافس بينهم، ذلك أن حراك كل منهم ينبأ عن رغبة التقدم أكثر على خط مراكمة السلطة والنفوذ.

شعبيا، يبدو أن تعاظم دور ونشاط الأبناء بات مقلقا للرأي العام ويثير حفيظة الناس، وعند بعض المراقبين فإن من بين أسباب تراجع شعبية حفتر نسبيا هو سلوك أبنائه واتجاههم للهيمنة والاستئثار بالقوة العسكرية والنفوذ السياسي والمالي.